الاثنين، 28 مايو 2012

مقالنا يوم امس الأحد السادس من شهر رجب عن محافظة العرضيات

-تحقيق عبدالهادي بن مجنّي-

(لمحات من تاريخ محافظة العرضيات)

إن أبناء الجيل الحاضر في بلاد العرضيات بحاجة إلى معرفة حقائق تاريخية عن بلادهم حيث لم تنل هذه المنطقة النصيب الوافر من الدراسة لسبب قلة المهتمين بهذا الجانب قديماً وحديثاً وكانت الرغبة لدي ملحة ووجدت في إعلان الدولة رعاها الله قبل أيام عن ترقية العرضيات من مركز إلى محافظة، وجدتها ضالة كنت أنشدها منذ زمن، وأدركت أننا بحاجة إلى توثيق صادق يعرفنا حقيقة تاريخ هذه المحافظة، وكان قد اتفق لي أن اجتمعت منذ أشهر بالدكتور غيثان بن جريس أستاذ التاريخ بجامعة الملك خالد في أبها وهو الذي وثق بعضاً من تاريخ العرضيات في كتابه عن القنفذة خلال خمسة قرون، وانعقدت بيننا صداقة وفاتحته برغبتي أن أجمع معلومات عن تاريخ العرضية الشمالية والعرضيات بوجه عام، لكون هذه المنطقة قد ظلمت تاريخياً، ولكثرة مشاغلي لم أجد إلى تلك الساعة الفرصة لجمع المعلومات ولسبب آخر هو عدم وجود مراجع أعتمد عليها، وما أورده قلة من المهتمين بالتاريخ لم يكن عن العرضيات وإنما كان في مجمله عن بلاد القنفذة، وإنني إذ أقول هذا لا أقصد أن أبخس من كتبوا عنها حقهم فيما قدموه إلينا من معلومات، بل إن ما وثقوه كان جيداً ولكن عذر كل مؤلف أنه إنسان والإنسان ناقص والكمال في كل شيء لا يأتي إلا مع الأيام عبر تجارب متكررة، وقد كتبت في هذا الجانب عدة مقالات لم أجد أنني وصلت فيها إلى ما أريد، وقد لاحظت في القرون الهجرية الأخيرة القريبة الماضية وجود إشارات إلى العرضية الشامية والعرضية اليمانية ولنتوقف قليلاً مع اسمها القديم، فقد كان العرب الحجازيين هم من كانوا يطلقون على الشمال شام والجنوب يمن فيوجد الركن اليماني للكعبة، وهدا الشام وهدا اليمن غير الهدا التي بالطائف اليوم ويوجد في جنوب الجزيرة مسميات كثيرة تغيرت إلى شمال وجنوب بدلاً من شام ويمن، ومنها بدر اليمن وخيبر اليمن وعمرو الشام وعمرو اليمن والكثير من أسماء الجبال والأماكن في تهامة وسراة الحجاز وعسير، ومنها أتى مسمى اليمن كمنتهى الجنوب في بلاد العرب كما الشام منتهى الشمال في ذلك العهد، وأخيراً أتى اسم العرضية اليمانية والعرضية الشامية والتي نحن بصدد الحديث عنها اليوم وما أود قوله إنني فيما توافر لدي من الوثائق التي ذكرت المعقص في أكثر من مناسبة في إشارة إلى العرضية الشامية بين عمال محمد علي باشا وولاته على الأقاليم وممن جاءوا بعدهم مثل عباس حلمي باشا خديوي مصر وولاة اليمن والرسائل بن قادة الجنود ولا أعلم سر اهتمامهم في رسائلهم تلك بالمواقع التي في العرضية الشمالية سوى أن هذه البلاد كانت تابعة لهم ومن تلك المواقع التي أشير إليها بني سهيم والمعقص ووادي الحفيا وقرية المبنا وقنونا ولعل ما يمكن الوقوف عنده في هذا المقام أن الناس في بلاد العرضية الشامية في ذلك الزمن كانوا يعانون من قلة التوثيق وهذا ما دفعنا إلى أن نستدل بإشارات المصريين وأهل اليمن، أما بالنسبة لما وصلنا إليه عنها في عهد الدولة السعودية فقد حاولت هذه المنطقة في أكثر من مناسبة أن تستقل بنفسها كمنطقة إدارية تتبع لولي الأمر مباشرة وليس مركزاً كما هي اليوم، وعند البحث لكتابة هذا المقال وجدت أنه في سنة 1353هـ طلب أبناء قبيلتي غامد وزهران من الملك عبدالعزيز رحمه الله إنشاء إمارة في بلادهم بدلاً عن تفرقهم وتبعية كل جزء من منطقتهم إلى الإمارة القريبة منه فمن يقطنون شرق بلاد غامد وزهران يتبعون إلى بيشة والأجزاء الشمالية تتبع للطائف وكذا القنفذة والليث، وتمت الموافقة وصدر الأمر الملكي الكريم رقم 165 وتاريخ 19-3-1353هـ بإنشاء إمارة في بلاد غامد وزهران ضمت العرضية الشامية (الشمالية لاحقاً) ويكون (المندق) مركزاً لتلك الإمارة وعين بموجب الأمر الملكي تركي بن محمد بن ماضي أول أمير لقاعدة هذه الإمارة ثم انتقلت بعد ذلك إلى (الظفير) فسميت إمارة الظفير وذهب بعض أهالي العرضية الشامية إلى الأمير مطالبين بالعودة كسابق عهدهم ليتبعون إمارة القنفذة فكان لهم ما طالبوا به وفي رأيي أنهم لم يرفضوا هذا التقسيم إلا لأن إمارة الظفير كانت إمارة صغيرة واليوم ولله الحمد وبعد طول انتظار تهيأ للعرضيات أن رقيت إلى محافظة وتحقق لها ما كانت تريد، ومن هنا أهنئ أهالي العرضيات الشمالية والجنوبية على هذه اللفتة الأبوية من خادم الحرمين الشريفين حفظه الله وولي عهده بترقية العرضيات إلى محافظة ويعود الفضل في ترقيتها إلى محافظة إلى مطالبات أبناء العرضيات المخلصين، ولا فرق لدينا أين تقع تلك المحافظة فهي جاءت لتخدم المنطقة وتخدم الجميع وفي رأيي أن نمرة بالعرضية الشمالية هو المكان الأنسب لوقوع بلدة نمرة على الطريق العام جدة جازان إضافة لكون مركز العرضية الشمالية شهد بفضل رئيس المركز الأستاذ عمران الزهراني وفريق العمل الذي معه شهد تقدماً ملحوظاً في عجلة التنمية والمشاريع التنموية ونهضة هذه البلدة في السنوات الأخيرة ولا يفوتني في هذه الإلالة أن أشكره فهو لم يألُ جهداً في الرقي بمركز العرضية الشمالية وتوفير الخدمات لمواطني المركز والسعي قدماً في تنمية هذا الجزء الغالي من بلادنا، وقد لمست منه عندما حدثني رؤى وتطلعات للرقي بمحافظة العرضيات مستقبلاً، وله مني وافر التقدير فهو من زف لي البشرى بترقية العرضيات إلى محافظة وجعل مركز المحافظة بلدة نمرة، وأن لاختيار العرضية الشمالية مركزاً للمحافظة على الرغم من أن العرضية الجنوبية هي الأقدم تاريخياً من حيث وضع الإمارة أسباب لعل أهمها تركيز أهالي الجنوبية على أن ثريبان هو المركز بدلاً عن المسمى الرسمي الصحيح مركز العرضية الجنوبية فالمسمى المعتمد لدى المسئولين في إمارة منطقة مكة المكرمة هو مركز العرضية الجنوبية، وأخيراً أضم صوتي لصوت الأستاذ محسن بن علي السهيمي الزميل في صحيفة المدينة ومناشدة ولاة الأمر حفظهم الله بجدولة محافظة العرضيات في ميزانية العام الحالي، كون نظام المناطق -في مادته الثالثة- يُعطي الأولوية للاعتبارات السكانية، والجغرافية، والأمنية.

السبت، 12 مايو 2012

العرضيتان صوتهما خالد .. لـ محسن علي السهيمي


“العُرْضِيَّتان”.. صوتُهما “خااالد”
يبقى لأهالي العرضيتين طلبٌ عند من يهمه الأمر بجدولة المحافظة في ميزانية العام الحالي



محسن علي السُّهيمي

قبل ثلاث سنوات كتبتُ في هذه الصحيفة (المدينة) مقالاً عنونتُه بـ(العُرضيَّتان..إرهاصات تنمية شاهدُها «خالد») عقِبَ زيارة سمو أمير منطقة مكة لمركزَي العُرضيَّتين بمحافظة القنفذة، وتدشينه لعدد من المشاريع التنموية، وحثِّه بعض الجهات المسؤولة على استكمال مشاريعها المتعثرة. كتبتُ ذاك المقال وأنا أَلمحُ وميضَ إرهاصاتِ تنميةٍ يلوح في أفق العرضيتين، بعد أن عانتا من نقصٍ حادٍّ في الخدمات، وتناسٍ من بعض الجهات التي أَسقطتهما من قاموسها الخدمي؛ كونهما تُصنَّفانِ (مَركزَين) يقعان في مكان (قَصيٍّ) من المنطقة. العُرضيتان ياسادة ذاتُ بعد تاريخي، وإرث حضاري، يكفي أن تعلموا أنَّ فيهما سوقَ حباشة التاريخي، وأنهما عُرِفتا بمسمى (العُرْضِيَّة) منذ سبعة قرون، وأنهما أخرجتا للوطن عددًا من الأعلام في المجالات كافة. العُرضيتان عبارة عن مركزين ضخمين -مساحةً وسكانًا- هما مركز العُرضية الشمالية (نمرة) ومركز العُرضية الجنوبية (ثريبان) ويقعان في أقصى الطرف الجنوبيِّ الشرقيِّ لمنطقة مكة، ويشكِّلان الانبعاجَ الظاهرَ بجلاء شرقيَّ محافظة القنفذة الفاصلَ بين منطقتَي عسير والباحة. وحينما نقارن تعداد سكان العرضيتين البالغ حسب الإحصاءات (الرسمية) الأخيرة (77613) بسكان بعض المحافظات -كما يظهر في موقع مصلحة الإحصاءات العامة- نجد أن العرضيتين تتقدمان على (62) محافظة من محافظات المملكة البالغ عددها (118) محافظة! وبناء على تلك المعطيات طالب أهالي العرضيتين -وغيرُهم- باستحداث محافظة للعرضيتين. وهنا أذكر مطالبات الأساتذة: علي خضران القرني في المدينة والندوة، ومحمد الحميِّد في الوطن، وحمَّاد السالمي في الجزيرة، وأحمد الشمراني وماجد المفضلي في عكاظ. وأذكر أن الأستاذ علي مكي نشر لي -قبل عشر سنوات- طلبًا في عموده بالوطن على مدار يومين تحت عنوان (من اليتيمتين إلى أمير مكة) وأعاده مختصرًا في شمس، كذلك نشر لي الأستاذ قينان الغامدي في عموده بالوطن قبل (ثماني سنوات) طلبًا عنونَه بـ(العُرضيتان والانتماء الطبيعي إداريًّا). لا ننسى كذلك جهود بعض المشايخ والمواطنين المخلِصين ومراسلي الصحف في العرضيتين. ونثمِّن كثيرًا جهود سعادة محافظ القنفذة فضا بن بين البقمي ورئيس مركز العرضية الشمالية الأستاذ عمران بن حسن الزهراني الذي يمثل أنموذجًا رائعًا للقيادة والمسؤولية. ولأن الأمير خالد الفيصل ذو فكر ثاقب ورأي حصيف، فقد وقف على واقع العرضيتين وأحاط به من جميع جوانبه، تلا ذلك زيارة الأمير منصور بن محمد مستشار وزير الداخلية لشؤون المحافظات، لتتعاضدَ رؤيتاهما وترفعا إلى ولاة الأمر، فيأتي القرارُ الملكي الأخير بترقية العرضيتين إلى محافظة فئة (ب) تحت مسمى (محافظة العُرْضِيَّات) ويكون مقرها (العرضية الشمالية). ويبقى لأهالي العرضيتين طلبٌ عند من يهمه الأمر بجدولة المحافظة في ميزانية العام الحالي؛ كون نظام المناطق -في مادته الثالثة- يُعطي الأولوية للاعتبارات السكانية، والجغرافية، والأمنية..إلخ، وهو ما يتأكد (بقوة) في حق العرضيتين. هنيئًا للعرضيتين بالمحافظة، وشكرًا (من الأعماق) لولاة أمرنا الأوفياء، وشكرًا لصوت العرضيتين، باعثِ التنمية في أوصالهما، أميرِنا (الفيصلِ) ولكل من أيَّد ودعم القرارَ بجهده أو فكره أو قلمه.

الاثنين، 6 فبراير 2012

رحله الى العرضيه في أواخر الحرب العالميه

مقال منشور في صحيفة الجزيرة منذ ما يقارب الثلاثة أعوام ..

مبارك بن لندن في العرضية عام 1365هـ - 1946م بإذن من جلالة الملك عبدالعزيز



لم تحظ تهامة العُرْضِيَّة بالدراسات التاريخية من قبل الرحالة العرب والرحالة الغربيين ويعود السبب في رأيي إلى صعوبة الوصول إليها لوجودها في الجزء الجبلي القريب من تهامة الحجاز والقريبة من سفوح جبال السراة في الشرق وكلما اتجهت جنوبا تصبح المعابر والطرق إليها صخرية ووعرة (1)، وإذا ما أوغلنا أكثر إلى الداخل فإننا نجدها تحيط بها الجبال، واستأثر الجزء الساحلي من تهامة بالحظ الأوفر من الدراسات التاريخية والتنقيب عن الآثار، يدلنا على ذلك مرور الرحالة العربي بن بطوطة والرحالة بن جبير ووصولهم إلى حلي في القنفذة في التاريخ القديم، ولكن بإصرار القليل من الرحالة الغربيين تمكنوا من الوصول إليها والبحث عنها لأن هذه المنطقة جزء من التراث الثقافي في جنوب الجزيرة، وذلك ما جعل لهذه الرحلة التاريخية التي قام بها الإنجليزي ويلفرد ثيسجر والشهير ب مبارك بن لندن قيمة وأهمية لندرة وصول الباحثين إليها.

في عام 1365هـ تسنى له زيارة العُرْضِيَّة، بعد حصوله على إذن من جلالة الملك عبدالعزيز وقد كان لذلك أكبر الأثر في إعطاء رحلته طابعا رسميا مكنه من الاتصال بأمير العرضية آنذاك وسهل عليه حرية التنقل والحصول على المعلومات التي كان يريدها.

المكان.. العرضية وهي إمارة تتبع للقنفذة وقد عرف بها السيد ولفرد ثسيجر بقوله: (هي المنطقة الجبلية التي تتوسط بين تهامة الشام وسفوح جبال السراة) وقد أشار إلى سبب التسمية بالعرضية الشامية والعرضية اليمانية أنه يستخدم لديهم بشكل شامل، اصطلاح الشام الذي يطلق على الشمال، واليمن على الجنوب، والجبلي على الشرق(2)، والبحري على الغرب.

وأضاف أنه يعرف سكان العرضية بالتهاميين، ويتمركزون في الأودية التي تستمد سيولها من الجبال وهذه الأودية هي وادي قنونا ووادي يبه.

وعند وصول ذلك الرحالة ورفاقه إلى شمال العرضية أورد ما نصه: (وهذه المنطقة تخص فخذاً من غامد التي يسكن معظمها في الجبال إلى الشرق من هذا الموقع، وتتناثر مزارعهم على طول وادي بطاط، حيث اكتظت ضفتاه بالزراعة التي تروى من الآبار والسيول معاً. ثم اجتزنا وادي فنونا إلى الوراء من بطاط، ودخلنا بلاد بلعريان وهي منطقة جرانيتية خصبة، يقوم على حراستها العديد من أبراج المراقبة(3). ووصلنا في اليوم التالي إلى مركز إمارة ثريبان، حيث احتفى بنا أميرها وأكرمنا، ثم سافرنا من هنا في برد الصباح، وسط حشد من القرويين المتجهين على الركائب، والجمال المحملة إلى سوق الثلاثاء الواقع على ضفتي وادي يبة، في وسط بيئة من التلال المكونة من الصخور الجرانيتية، حيث يكتظ هذا الوادي بأشجار النخيل، ورأينا هناك ثمة محاصيل ممتازة من الذرة، والسمسم، تسقى من جدول يتدفق في الوادي، حيث يقوم سوق عمارة (الذي يعقد كل يوم ثلاثاء) وعمارة قبيلة جذابة، تشبه أعراب تهامة، يشد الواحد منهم جنبية على وسطه من الأمام، أما شعورهم الطويلة، فقد زينت بنباتات ذكية الرائحة، اشتريت من السوق لهذا الغرض، ويلبس قليل من الرجال قبعات مصنوعة من الحصير، حيث تتميز بأن حوافها واسعة ومرتخية، وعندما اجتزنا الجدول، كان ثمة راع شاب، يشبه رمز الغابات أو الجمال عند الرومان، وقد ملأ بساتين النخيل بترديده لأنغام موسيقية شجية تنبعث من مزماره.

وهذه الآلة تعرف محلياً بالصفريقة المصنوعة من لحاء عروق شجر السمر) انتهى كلامه.

ومن نتائج القراءة في تاريخ هذه الرحلة يستطيع المرء أن يصل لعدة أمور، وصف المؤلف وصفاً دقيقاً لإنسان العرضية في ذلك الزمن، وتراه يرسم لنا في هذه الرحلة الجبال والأودية، وقد استشرفنا الحياة في الماضي من خلال هذا المشهد، وأسهب في وصف المباني والعمارة القديمة، بعدها ذهب للحديث عن المزارع وفلاحة الأرض، ويطلعنا على مسميات الأشجار والنباتات وأسماء الذكية الرائحة والعطرية منها والتي تنمو على سطوح المنازل المستوية وفي أوان خاصة، ثم يأخذنا معه لذلك الماضي الجميل الذي يتجلى فيما يتمتع به الأهالي من نفوس زكية يغلب عليها جانب الطيبة الفطري، ثم يطلعنا على الأسواق القديمة في تلك الفترة وأهميتها لدى السكان والجهة التي يتبع لها كل سوق منها فبني رزق النبيعة سوقهم الأحد، وبني بحير في قنونا سوقهم الأربعاء، وعمارة سوقهم الثلاثاء، وآل سليمان سوقهم الأربعاء في نخال، والجوف سوقهم الثلاثاء(4)، وبنو سهيم سوقهم الاثنين، وشمران سوقهم السبت، والعوامر سوقهم الأحد، وبنو المنتشر سوقهم الخميس في ناخس.

وقد اطلعت على بعض الرحلات التي قام بها ذلك الباحث في باقي أنحاء الجزيرة فأجده كلما توغل في إقليم معين يقوم بمقارنات بين سكان تلك الأقاليم في الملبس والمأكل مع أهالي العرضية، وألاحظ تشبيهه مباني بعض البلدان بمباني العرضية التي أسرته طيبة أهلها فهو لا زال يتذكر العرضية ويذكر سكانها. وأجد هذه الرحلة إلى تهامة التي نحن بصدد تحقيقها قد جاءت بعد رحلته الأولى التي تحدث عنها في سنة 1945م، فقال بعد أن أمضيت شهرين بين أهالي نجد المتمسكين بدينهم في شدة وصرامة، مررت سريعاً عبر تهامة ومنذ ذلك الحين، ظلت تطاردني ذكرى هذا الشعب اللبق البشوش، وبقيت هذه اللمحة الخاطفة حلماً يراودني حتى سنحت لي الفرصة في سنة 1946م، عندما اضطررت تحت وطأة حرارة الصيف إلى مغادرة الربع الخالي، والعودة مرة أخرى إلى تلك السلالة المحببة.

ولا يفوتني في نهاية هذا المقال أن أشكر الدكتور أحمد بن عمر الزيلعي وما قام به من جهود ودراسات لتحقيق كتب الرحالة الغربيين التي تتناول تاريخ عسير والحجاز.





الهوامش:

1- كان ذلك في الماضي أما في وقتنا الحاضر ولله الحمد فأصبحت العرضية مرتبطة بشبكة طرق معبدة وسهلة تربطها بالسراة والساحل، وهناك الكثير من العقاب المسفلتة التي تنزل إليها من أعالي الجبال بكل يسر.

2 - جهة الشرق يطلق عليها أهل العرضية الحجازي نسبة لجبال الحجاز وليس الجبلي، ربما يكون الذي قد زود الرحالة بالمعلومة قد أخطأ أو أن الخطأ كان في طباعة الترجمة.

3 - الحصون الأثرية والتي تعد اليوم رموزاً لمنطقة العرضية.

4 - الجوف منذ القدم سوقهم خميس العرق وليس الثلاثاء وقد انتقل في الوقت الحاضر وأصبح على الشارع العام ويبدو أن المؤلف التبس عليه الأمر بسبب كثرة الأسواق في المنطقة.


http://www.al-jazirah.com/104787/wo4d.htm



الأحد، 5 فبراير 2012

لا يلام الذئب في عدوانه .. ان يك الراعي عدوّ الغنم

أمتي هل لك بين الأمم
منبر للسيف أو للقلم
أتلقاك وطرفي مطرق
خجلا من أمسك المنصرم
ويكاد الدمع يهمي عابثا
ببقايا كبرياء الألم
أين دنياك التي أوحت إلى
وتري كل يتيم النغم
كم تخطيت على أصدائه
ملعب العز ومغنى الشمم
وتهاديت كأني ساحب
مئزري فوق جباه الأنجم
أمتي كم غصة دامية
خنقت نجوى علاك في فمي
أي جرح في إبائي راعف
فاته الآسي فلم يلتئم
ألاسرائيل تعلو راية
في حمى المهد وظل الحرم !؟
كيف أغضيت على الذل ولم
تنفضي عنك غبار التهم ؟
أوما كنت إذا البغي اعتدى
موجة من لهب أو من دم !؟
كيف أقدمت أحجمت ولم
يشتف الثأر ولم تنتقمي ؟
اسمعي نوح الحزانى واطربي
وانظري دمع اليتامى وابسمي
ودعي القادة في أهوائها
تتفانى في خسيس المغنم
رب وامعتصماه انطلقت
ملء أفواه البنات اليتم
لامست أسماعهم لكنها
لم تلامس نخوة المعتصم
أمتي كم صنم مجددته
لم يكن يحمل طهر الصنم
لايلام الذئب في عدوانه
إن يك الراعي عدوَّ الغنم
فاحبسي الشكوى فلولاك لما
كان في الحكم عبيدُ الدرهم
أيها الجندي يا كبش الفدا
يا شعاع الأمل المبتسم
ما عرفت البخل بالروح إذا
طلبتها غصص المجد الظمي
بورك الجرح الذي تحمله
شرفا تحت ظلال العلم

قصيدة الشاعر عمر ابو ريشه

الأربعاء، 1 فبراير 2012

متحف محمد بن عايض القرني

صديقي الشاب الطموح محمد بن عايض القرني استطاع ولله الحمد ان يحقق فكرته ويكّون متحفا رائعاً يضم المئات من القطع الأثريه التي قام بالسفر شرقاً وغرباً لأجل ان يجمعها وقد نجح في تحقيق فكرته وبذل من ماله الخاص خدمة لأبناء بلقرن، وقد دأب طوال الثلاث سنوات الماضيه على جمع تلك القطع الاثرية وشراء ما امكن شراؤه منها وطوال تلك الفترة وهو يحدثني عن هذا الحلم وقد تكلل له اليوم ما يريد فأهنأه على تحقيق حلمه، ولا ننسى انه استطاع بلباقته المعهوده ان يستقطب بعض هواة التراث والمهتمين من خارج هذه البلاد ونظم لهم رحلة الى بلاد بلقرن مساهمة منه في التعريف بمنطقته وأهلها .. فله من الشكر أجزله ومني شخصياً وافر التقدير.عبدالهادي بن مجنّي.

السبت، 7 يناير 2012

يوسف العتيق .. بين سنة الصخونة وسنة ٢٠١١

كتب الاستاذ يوسف بن محمد العتيق في صحيفة الجزيرة السعودية اليوم الأحد الرابع عشر من شهر صفر هذا المقال وهو بعنوان (بين سنة الصخونة وسنة ٢٠١١م)

لم يكن الآباء والأجداد يؤرخون السنوات بتاريخ دقيق في كثير من الأحيان بل كانوا يؤرخون بحدث مهم جرى في هذه السنة مثل الجراد والصخونة والسبلة وجراب وسنة الطبعة وغيرها من الأحداث البارزة، وهذا الطريقة في حفظ التاريخ قديمة جدا فكلنا يعرف عام الفيل وهو العام الذي ولد فيه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، ومثله السنة التي سرق فيها الحجر الأسود من الكعبة المشرفة وسنوات أخرى وثقتها كتب التاريخ، وقد يجهل الكثير من الناس التاريخ الرقمي لهذه السنة.

وهنا ألا يحق لي أن أتساءل وأقول لو لم تغب هذه الطريقة في التوثيق للتواريخ عن زمننا هذا، ماذا كنا سنسمي العام المنصرم (2011م)؟؟

لاشك أن الجواب محير، لكني استحضر مقولة ترددت عن أكثر من شخصية بأن العام المنصرم جمع أحداث خمسين عاما بين شهوره الإثني عشر.

فعام 2011م جمع بين دفتيه الربيع العربي وأحداثه المثيرة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وكارثة طبيعية عظمى في اليابان ومقتل ابن لادن في الباكستان، ووفاة رمز الكرم سلطان وتقسيم السودان إلى دولتين وغيرها من الأحداث تجعل هذا العام لا ينسى.

وأخيراً حفظ الله لنا وطننا من كل سوء ومكروه وكافة بلاد المسلمين.

الأحد، 1 يناير 2012

(شيخ بلدة النبيعة من أعيان بلقرن تهامة ابن عمّار)


مقال منشور عن احد أعلام تهامة شيخ بلدة النبيعة احمد بن محمد بن عمّار وهو احد رجالات الملك عبدالعزيز استطعنا ان نسلط الضوء في هذا المقال على جانب من حياته :

من أعيان تهامة الحجاز، كان يداً لحكومة المؤسس في توطيد الأمن في تهامة العرضية، كما تثبته الوثائق.

لن يغفل التاريخ رجالات بتهامة كان لهم إسهامات وأعمال تخلد ذكرهم، وإذا نال الإهمال وعدم المبالاة سيرتهم الذاتية، والبخل على المؤرخين بوثائق تخص حياتهم، فإن ما تبقى في صدور الرجال الأوفياء عن أولئك لا يكفي، ولكن سوف يحفظ بعض الشيء عن أولئك الأوفياء لدينهم ووطنهم وقادتهم، والذين أثبتوا وجودهم الصادق في ميادين من الصعب حصرها.

إن أعلام وأعيان تهامة الذين كان لهم أدوار ريادية خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجري هم حقيقون وجديرون بأن يفرد لهم (كُتب)، تبيّن لنا الكثير من الجوانب التي كانوا يتمتعون بها ووفاءهم لدينهم ووطنهم وقادتهم وأبناء جلدتهم، ومن أولئك الأعيان من تهامة العرضية الذين لا يتسع المجال هنا لحصر سيرهم أحمد بن محمد بن عمّار شيخ قبيلة بني رزق النبيعة. كانت ولادته تقريباً عام 1301ه، وكان يكنى ب(أبي محمد)، كما كان يناديه شعراء عصره أمثال الشاعر صالح بن خضران والشاعر عبدالله بن لبدان. تتجلى مناقبه وبعض صفاته في مدحهم له في حياته، ورثائهم له بعد وفاته. كان - رحمه الله - جواداً كريماً لم ير معاصروه أكرم منه، وكان - رحمه الله - شجاعاً في الحق، وليس أدل على ذلك من تشبيه الشاعر ابن خضران له بالخيّال والفارس في المعركة العارف بطرق الكر والفر. كان رجلاً محنكاً وأحد دهاة عصره وأحد القلائل في تلك الفترة من تاريخ العرضية.

تولى مشيخة القبيلة في سن مبكرة بعد وفاة والده الشيخ محمد بن عبدالله بن عمّار. واستمر الشيخ أحمد بن محمد شيخاً لقبائل النبيعة نحو أربعة عقود. وعاش أحمد بن محمد طيلة حياته في خدمة القبيلة، وفي كفاح دائم لمحاربة الجهل والظلم.

وإذا كان الوطن يحفل اليوم برجال أوفياء لوطنهم فإن الوطن لن ينسى أبناء مخلصين له في أوقات وظروف عصيبة كان السير فيها على الأقدام في وقدة الشمس المحرقة وعلى الشوك والرمضاء يرسمون أصدق عبارات ولوحات الولاء لدينهم ووطنهم وقادتهم؛ فكان ابن عمّار أحد الرجال الذين اعتمد عليهم الملك عبدالعزيز كثيراً في توطيد الأمن في منطقته، وليس أدل على ذلك من الوثائق والمخاطبات التاريخية التي تمت بينه وبين الملك عبدالعزيز آنذاك، والتي يحثه فيها - رحمه الله - على توطيد الأمن واستتبابه.

كان الشيخ أحمد بن محمد يتصف بنجدة الملهوف، وخير شاهد على ذلك وقوفه مع أبناء قبيلته في الحجاز عندما حلت بهم ضائقة في العيش لم يسلم منها أحد؛ مما اضطر أبناء القبيلة إلى الهجرة بمواشيهم إلى أماكن تجمّع الأمطار؛ حتى سمي ذلك الزمن (زمن أبو هجران). كان أحمد بن محمد يتمتع بالقدرة على توطيد الأمن واستتبابه؛ مما لفت انتباه الأمير فهد بن زعير؛ فكانت لهما عدة مخاطبات تتعلق بالأمن. وشارك - رحمه الله - كأحد القادة وعلى رأس قبائله في مشية عفف وصامطة وغيرهما.

أما وفاته فكانت على أثر حادث مروري تعرض له في مدينة جدة وهو قادم من مقابلة الملك عبدالعزيز في منطقة الرغامة. ولقد كان - رحمه الله - سمحاً وعفواً حتى في وفاته؛ فقبيل وفاته عفا عمن صدمه وصفح عنه. وقد دفن في مقبرة الأسد بمدينة جدة، وكان ذلك في ذي الحجة عام 1371هـ. رحم الله الشيخ أحمد بن محمد، وأسكنه فسيح جناته.

(مصدر هذه الوثائق بحثي الذي بعنوان: عبدالله بن محمد بن مجنّي.. نشأته ومناقبه).

http://archive.al-jazirah.com.sa/2007jaz/sep/16/wo4.htm

كان هذا المقال المنشور ولدينا اضافة بسيطة عن مشيخة هذه البلدة :

(آل عمار ومشيخة النبيعة بني رزق)

لقد تعاقبت المشيخه في اسرة آل عمار منذ زمن بعيد يصل لاكثر من مائتي عام حيث لم نستطع الوصول الى تاريخ محدد لعام تولي هذه الاسره زعامة قبيلة النبيعة ولكن استطعنا من خلال القليل من الوثائق والمقابلات مع بعض المعمرين الى ان نصل الى ان جدّ هذه الأسره هو عبدالله بن عمار الاول وقد عاش في بداية القرن الثالث عشر الهجري وليس بين ايدينا مسوغ صريح يدل على عام ولادته او وفاته، ولما توفى جاء خلفاً له ابنه محمد بن عبدالله بن عمار وقد ذكرت وثيقه قديمه من خلال بيان أسامي مشايخ قبائل قضاء القنفذه في العهد العثماني والذي ذكر منهم شيخ قبيلة بني رزق النبيعه في سنة 1289هـ هو ابن عمار محمد بن عبدالله، وحسب ما وصلنا اليه ان هذا الشيخ المذكور كان من المناوئين للحكم العثماني في منطقته حيث كان له عدة مناوشات مع الاتراك، وبعد وفاته جاء ابنه احمد بن محمد بن عمار وسار في بني رزق النبيعه سيرة حسنه حتى وفاته في سنة 1371هـ اثناء عودته الى دياره في حادث مروري في مدينة جده في آواخر عهد الملك عبدالعزيز، اجتمع نواب وعرايف النبيعه من فورهم ونصبوا عليهم ابنه الاكبر عبدالله بن احمد بن عمار وبعد وفاته خلفه اخاه محمد بن احمد ولكنه لم يلبث طويلاً فقد تنازل لابن اخيه علي بن عبدالله بن عمار ولا يزال حتى يومنا هذا.
كان قد زودنا في وقت سابق ابن عمار الشيخ الحالي لقبيلة النبيعة بجميع الوثائق التي في حوزة اسرته وهي عبارة عن مراسلات بين جده الشيخ احمد بن عمار المتوفي في عام 1371هـ وبين جلالة الملك عبدالعزيز وبعض الأمراء السعوديين حيث بعث احمد بن عمار بكتاب في الـ 3 من جمادى الثاني من عام 1349هـ الى الامام الراحل عبدالعزيز يطلعه على بعض التجاوزات في منطقته ويطلب من جلالته سرعة التدخل لتدارك الوضع الأمني آنذاك فما كان من المؤسس رحمه الله الا ان رد على الشيخ احمد بن عمار بالكتاب التالي:
الرقم 259
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل إلى جناب المكرم احمد بن محمد بن عمار سلمه الله تعالى بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم وصلنا كتابكم المؤرخ 3 ج2 1349هـ وما ذكرتم به كان لدينا معلوماً. ولا بد ان ننظر في أمركم كما يجب، ويكون ما فيه الخير انشاء الله وانتم عليكم ان تحرصون على الاستقامه وحسن السيره وعدم التعدي لا من قبل الحكومة و لا الرعية وترانا ما نقبل التعدي ولا نجيزه لا من خاص ولا من عام. يكون معلوماً 28 / 7 / 1349هـ.
يتبين لنا من قراءة هذا الخطاب ما يتمتع به الشيخ احمد بن عمار من رجاحة العقل وسداد الرأي حيث رأى ان يطلع ولي الأمر على اوضاع منطقته قبل ان يقدم على اي فعل ويستخدم القوه فرأى ان يحل هذا الأمر صلحاً، الامر الاخر يبدوا من خطاب الامام عبدالعزيز انه قد اتخذ التدابير اللازمة بمخاطبة ولاته على تلك النواحي بإنهاء الوضع الذي ورد في خطاب ابن عمار او مخاطبة الجهات المذكورة في خطاب ابن عمار بضبط النفس هي ايضاً وعدم التعدي والا لم يكن قال في خطابه للشيخ احمد ان كل ما ورد في كتابه كان على علم به وقد بدأ في الشروع في حل النزاع وإنهاء الخلاف.
ايضاً يتبين لنا ان احمد بن عمار المذكور على علاقة مع الامام عبدالعزيز منذ وصول راية التوحيد الى هذا الجزء من تهامه ذكر لنا احد معاصريه بانه قدم على الامام في الناصريه في وقت سابق لهذه الرساله ايضاً يخبرني احد الذين تقابلت معهم من المعمرين في منطقة بعيدة عن هذا الاقليم عندما سألته عن قدوم والده هو أيضاً لمبايعة الملك عبدالعزيز قال لي كان برفقة والدي الى الرياض شيخ النبيعه ويقال له احمد بن عمّار.

فتح بلاد العرضيتين وضمها للدولة السعودية الاولى



مقالنا في صحيفة الجزيرة كان عنوانه : (العرضيتان والدعوة الاصلاحية) تحدثنا فيه عن بلاد العرضيتين وكيف وصلت اليها الدعوة السلفية وكم ليلة استغرق عامل ابن سعود هناك كي يضمها لبلاده.

شهدت بلاد العرضيتين في الماضي البعيد حضارة قديمة لم يبق منها سوى أطلال وشواهد دالة على قدم تلك الحضارة وكتابات ونقوش متفرقة في بعض أجزاء هنا وهناك، وهذه النقوش التي مررنا بها في كثير من المواضع في بلاد العرضيتين كانت خير شاهد على عراقة تلك المنطقة، ومما أرشدنا إلى ضربها في القدم اللغة التي كتبت بها عندما قام بعض المؤرخين بالوقوف عليها وتحقيقها، وقد كانت تقطن العرضيتين أمم زالت وبادت وحل محلها أقوام آخرون وهذه من سنن الله في الأرض، وعندما زرتها آخر مرة رأيت في موضع بوادي قنونا أنموذجا لتلك النقوش فوقفت على ما كتب على أحد الصخور هناك وكانت لغة الكتابة ضاربة في القدم فقد اتخذ من ذلك الجبل صفحة من أعلاه حتى أسفله وعند ترجمة الجزء الأخير منه كان مفاده (هنا وصل قوم تبع).

أما في العصور المتأخرة فقد استطاع العثمانيون في أول موضع قدم لهم هناك في جنوب جزيرة العرب أن يطردوا البرتغاليين وذلك في بداية القرن العاشر في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني، وبعد أكثر مائتي عام تمكن الأتراك من السيطرة على منطقة العرضيتين وما حولها من أبها جنوباً وحتى غامد وزهران شمالاً واستمروا كذلك قرابة نصف قرن من عام 1289 حتى عام 1337هـ ولم نجد للعثمانيين أعمالاً إيجابية واضحة تذكر في منطقة العرضيتين على الرغم من استمرار حكمهم لتلك البلاد قرابة خمسة عقود إلا أنهم كانوا يقومون بتعيين وال في أبها أو في القنفذة أو في مركز المبنى بالعرضية الشمالية كما مربنا في مقال سابق ليرجع مشايخها إليه لجباية الزكاة فقط، مع ترك جميع أجزاء العرضيتين تغرق في الفتن والصراعات القبلية، يقول سليمان شفيق المتصرف الذي كانت بلاد العرضية تتبع له حينما ترجم للسياسة التي كانت تسلكها الدولة العثمانية في المنطقة عموماً وبلاد العرضيتين على نحو خاص (في الواقع أن الدولة لم تصنع شيئاً غير تحصيل الزكاة من الأهالي بين حين وآخر ولم تفكر قط في إيجاد أسباب العمران لإحياء هذه الجهات، ولم تتذرع بشيء من ورائه نفع للأهالي، وليس لها برنامج معين يسير عليه رجالها وموظفوها الذين يأتون إلى هذه البلاد وهم لم يستطيعوا أن يفهموا الأمور التي يحتاج الشعب إليها ولم يدرسوا أسباب ثورة الأهالي وتمردهم على الدولة، ولم يستطيعوا أن يقروا الأمن، بل تركوا الناس وشأنهم يحارب بعضهم بعضاً والحكومة واقفة تتفرج عليهم، وكانت وظيفتها مقصورة على حراسة نفسها في الأماكن التي استولت عليها وأقامت فيها، إن الدولة العثمانية التي احتلت المنطقة منذ أربعين عاماً اكتفت بأن اتخذت لنفسها بضعة مراكز عسكرية، وكانت صلتها بالأهالي مقصورة على قيامها ببعض الحركات العسكرية بين حين وآخر لجباية الزكاة، أما اختلافات الأهالي فيما بينهم فكانت الحكومة في معزل عنها، ويا للأسف فقد كان الناس يرون أنهم لا حكومة لهم، وأنهم مسلوبو الراحة والأمن العام وهم ينتظرون الفرج بعد ظهور رجل مصلح يتولى فيهم أمر الحكم، وكأنه هنا يشير إلى ابن سعود لكون جلالة الإمام الراحل الملك عبدالعزيز في هذا التاريخ قد ظهر، وقد تنبأ سليمان الكمالي في موضع آخر من مذكراته أن ابن سعود سوف يتمكن في يوم ما من لم شتات هذه البلاد).

وقد أورد ابن جريس في كتابه عن المنطقة خلال خمسة قرون أن العرضيتين لكونها منطقة داخلية لم تكن كغيرها من البلدان تحت التبعية الحجازية أو اليمنية وإنما كانت تعيش تحت سيطرة قبائلها وشيوخ تلك البلاد هم أصحاب السلطة المطلقة في جميع شؤونها. حتى وان اتصلوا ببعض القوى السياسية في الحجاز أو اليمن وأضاف أن تلك العلاقة لا تعدوكونها شكلية فقط، وإذا تتبعنا الحكومات التي جاءت فيما بعد نجد أن من ينوي ضم العرضيتين إليه يخطب ود شيوخها أولاً ثم يراسلهم فإن كانت علاقته جيدة بأولئك المشايخ استطاع أن يضمن ولاء تلك القبائل ويضمها تحت نفوذه وهذا كان السائد في بلاد العرضيتين حتى قبيل الدولة السعودية.

أما الدعوة السلفية فقد وصلت إلى جنوب الجزيرة العربية في مطلع القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي وبرز أمراء آل المتحمي الذين كان لهم السبق في الذهاب إلى الدرعية ومبايعة قادة الدولة السلفية هناك وعند عودتهم إلى بلاد عسير مدوا نفوذهم إلى العرضيتين وبعض جهات القنفذة ووقع بينهم وبين الجيوش المصرية عدة وقعات استطاع بعدها عبدالوهاب بن عامر المتحمي احد أمراء الدولة السعودية الأولى هناك أن يضم العرضيتين تحت حكم الإمام سعود بن عبدالعزيز.

ومما يعزز ما ذهبت إليه ما ورد لدى العجيلي وابن جريس وبعض المصادر المعاصرة أن عبدالوهاب بن عامر المتحمي في سنة 1218هـ خرج من بلاد عسير ومعه 5000 آلاف مقاتل متجهاً إلى مكة وذلك نجدة للإمام سعود بن عبدالعزيز وكانت طريقه عبر تهامة حتى وصل إلى بلاد العرضيتين التي قاومت وحدث بينه وبين عثمان بن أبي بكر الأمير التي كانت العرضيتين ونواحيها تابعة له عدة مناوشات في بادئ الأمر إلا أن عثمان رفض الدخول تحت حكم الإمام سعود مما دفع عبدالوهاب لمحاربته وبعد حصاره له فر عثمان إلى جزيرة في البحر من جهات حلي ولحق به رجال عبدالوهاب حتى استسلم ودخل في طاعة الدولة السعودية الأولى، وقد أحصى بعض المؤرخين تلك الغزوات فوجدوها ثلاث عشرة غزوة استمرت سبعين ليلة. (وبهذا نود القول أنا وقفنا على أن بلاد العرضيتين انضمت للدولة السعودية الأولى في عام 1218هـ)، بعد ذلك وقعت العرضية بين مد وجزر فبعد أن استمرت تحت نفوذ المتاحمة من عبدالوهاب بن عامر ثم جاء خلفاً له طامي بن شعيب يقول بوركهارت أن هذه البلاد كانت تحت نفوذ طامي من عام 1224 حتى عام 1249هـ- 1809-1813م إلا أن ذلك لم يدم طويلاً.

وبعد زوال إمارة المتاحمة أصبحت بلاد العرضيتين تتأرجح على حسب القوى المسيطرة متذبذبة في تبعيتها للقوى التي تحيط بها جنوباً وشمالاً، فأحياناً تدخل تحت حوزة الأشراف في الحجاز والدولة العثمانية وأحياناً أخرى كانت تنضم لسلطة حكام عسير على حسب النفوذ والقوة وقد أكدت بعض المصادر والوثائق التي بين أيدينا أن العرضيتين انضمت لـ سعيد بن مسلط وظلت طوال عهده تابعة لعسير واستمرت كذلك في عهد علي بن مجثل.

هذا من جانب ومن جانب آخر وقبل كتابة هذا السطور قمت بالبحث في بلاد القنفذة عن وثائق لأدعم بها هذا المقال، ولعل الدارسين ممن سيأتون بعدنا يجدون فيها الفائدة وهذه الوثائق في مضمونها تتحدث عن الحياة الاجتماعية في بلاد العرضيتين في منتصف القرن الماضي وفي زمن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وعددها قرابة الثلاثين وثيقة نورد منها هنا وثيقتين لبيانات وأسماء أوائل الموظفين في العرضيتين ومقدار ما يتقاضاه كل موظف من راتب بحسب ما ورد في إحداها وقد كتبت بتاريخ شعبان عام 1360هـ وهي تضم أسماء بعض مأموري رسوم أسواق العرضيتين فيقول كاتب هذا النص «أما العاملون في رسوم أسواق العرضية الشامية فهم حسين عبدالواحد مأموراً براتب 397.50 قرشاً وثلاثة حراس آخرون هم : أبو بكر أحمد، واحمد زيلعي، وزيد البركاتي براتب 109.50 قرشاً شهرياً لكل واحد، والوثيقة الأخرى من هذا الملحق مؤرخة في 29-12-1359هـ وتشتمل على أسماء مشايخ وعرايف العرضيتين وما يدفع لهم من رواتب شهرية على النحو التالي:

1 - أحمد بن بيشي شيخ قبيلة بني رزق ثريبان، وراتبه 328 قرشاً ويتبعه في هذه الوثيقة سبعة عرائف هم، محمد بن موسى، وموسى بن حسين، عبدالرحمن بن معيض، ومعيض بن عبدالله، وهادي بن علي، وجابر، وأحمد، وكان يصرف لكل واحد منهم 109.50 قرشاً».

2 - علي بن عبدالله طيب، شيخ شمران، ويتبعه في الوثيقة التي بين أيدينا أربعة عرفاء هم: حسن بن احمد، وابراهيم بن منسن، وصهبان بن عبدالله، وبلغيث بن حمدان بن احمد.

3 - خضران بن جابر شيخ قبيلة بالعريان، وراتبه أيضاً 328 قرشاً ويتبعه سبعة عرائف هم: علي بن يحيى، ورافع بن عبدالله، وسعد بن ضيف الله، وسعيد بن سعد، وعائض بن عباس، وبركات بن حسن، وسالم بن مصلح، وراتب كل عريف 109.50قرشاً.

4 - سعد بن دخيل شيخ بني بحير، ويتبعه أربعة عرائف هم: علي بن زرعة، ومحاي بن عبدالله، والفحسن بن رافع، ودخيل بن عثمان.

5 - سعد بن ضيف الله، شيخ بني المنتشر، ويتبعه أربعة عرائف هم مهشبل، وسعد بن زين بن محمد، وشلوان بن صميد، ومعيض.

6 - منصور الهمَّام شيخ بني سهيم، ويتبعه خمسة عرائف هم : عبدالخالق بن حجر، وعلي بن عطية، وسعيد بن بركات، وحامد بن احمد، واحمد بن مطر.

وقد قمت بأرشفة هذه الوثائق والإشارة إلى موضوع كل وثيقة ثم أوردت تاريخها الذي كتبت فيه.

عبدالهادي بن مجنِّي
bnmgni@hotmail.com