الجمعة، 30 ديسمبر 2011

العرضية من خلال الوثائق التاريخية

مقال : عبدالهادي بن مجنّي في صحيفة الجزيرة السعودية.

حينما قمت بالبحث في الوثائق التي تبرز تاريخ العرضية(1) وأثناء التنقيب في المصادر التي أشارت إليها في التاريخ القديم والمعاصر، وجدت أن المؤرخين لم يوردوا شيئاً عن اسمها، وإنما اكتفوا بالإشارة إليها بوادييها الشهيرين (قنونا، أو يبه)، ونحا فريق من مؤرخي منطقة عسير والمخلاف السليماني عند الإشارة للعرضية بتسميتها بلاد غامد وزهران(2) نظراً لموقعها من عسير في بلاد غامد.

والعرضية - المنطقة المعروفة والغنية بالآثار الدالة على قدم الحضارة في هذا الجزء الغالي من بلادنا - لم تذكر بهذا الاسم من قبل، حتى عام 713هـ حينما ذكر عامر بن زياد العبدلي بأن أبو الغيث أحد حكام مكة المكرمة ثوى بأتباعه في العرضية فكانت تلك أول إشارة صريحة لها بهذا الاسم.

ومن هذه الإشارة التاريخية ومن غيرها تبين لي أن لكل منطقة تسميات عرفت بها على مر التاريخ، ومن أسماء العرضية الدارجة لدى بعض العامة (العرض، بلاد بلقرن التهامية، بلاد خثعم)، ومنهم من ينسبها لبعض الذين مروا بها أو سكنوا فيها قديماً وارتحلوا من بني هلال. أما سكانها الأصليون فهم من الأزد من شنوءة، وهنا أود أن أشير إلى أن بعض المصادر تفيد بأن تلك القبائل تفرعت بعد القرن السادس الهجري.

ومنذ زمن بعيد ظلت العرضية وقاعدتها ثريبان(2) جزءاً لا يتجزأ من مقاطعة عسير وتتبع إدارياً بيشة واستمرت كذلك حتى القرن الثالث عشر الهجري حينما تم ربطها بقضاء القنفذة أحد موانئ عسير، ونافذة السراة على تهامة، وقد قادنا لذلك الوثيقة التي تشير إلى أن ابن وهاس في ثريبان كان حاملاً لراية عسير في تلك العهود.

ومن المناسب هنا الإشارة إلى فضل جلالة الملك المؤسس -رحمه الله- عندما كتب إلى أمير أبها الأمير عبدالله بن عسكر بأن يرسل هيئة إلى القنفذة لاستلام البلاد ومخلفات الحكومة هناك وتعميد الشريف عبدالله بن حمزة بمغادرة القنفذة، فوقع الاختيار على كل من تركي بن محمد بن ماضي ومحمد بن عجاج، الأول وكيلاً للمالية والأخير أول أمير للقنفذة في العهد السعودي الزاهر، ومعهم مائة رجل من مرافقيهم، وهم أوائل الموظفين في القنفذة، ولديهم راية سعودية كان قد بعث بها جلالة الملك من الرياض، وقد نتج عن فتح هذه المدينة توفير الأمن بها إذ كانت عرضة للمدفعية الإيطالية تلك الفترة، وضمت لها العرضية وبقية المراكز الأخرى وكان ذلك في تاريخ 24 ربيع الأول من عام 1343هـ إلا أنها فيما بعد أصبحت تتبع لإمارة منطقة مكة المكرمة.

ولعلنا في هذا السياق نذكر أنه في عام 1385ه صدر التنظيم الإداري بتقسيمها إلى العرضتين، العرضية الجنوبية وقاعدتها ثريبان والعرضية الشمالية وقاعدتها نمره التي عرفت فيما سبق ب المبنى(3) ولا يفوتني بعد هذه الإطلالة السريعة أن أشير إلى أنه وفي الوقت الحاضر يتطلع أهالي العرضتين إلى ترقيتها إلى محافظة وخصوصاً بعد زيارة سمو أمير منطقة مكة المكرمة للعرضية الجنوبية ثريبان ووقوفه على أحوال المنطقة عن كثب.

وتشير الوثيقة- التي بين أيدينا- إلى أن جابر بن جاري العسبلي بتلك الفترة كان أميراً للعرضية بالمبنى، وتشير أيضاً إلى أهم الشخصيات والأعلام من خلال أسماء مشايخ قضاء القنفذة في منطقة عسير وتحديداً في مادة 9 منها حيث تصرح باسم ذلك العلم والمكان الذي ينتمي إليه، أما تحديد فترة الوثيقة فيعود تاريخها إلى عام 1289هـ تقريباً ونصها كما يلي:

(مادة 8 بيان أسامي قبايل قضاء القنفذة بني زيد أميرهم حسن بن خضر، زبيد أميرهم ابن مرزوق، دوقه المشايخ أميرهم شامان، بني عيسى أميرهم ابن عويضة والسليتي، حرب أميرهم محمد بن موسى بن المدرمح، اشراف لحسبه بن مبارك، اشراف العجالين أميرهم ياسين، بني يعلا وأهل يبه أميرهم بيطلي أبو هجه عطله، بلعير أميرهم علي بن مديني وعرايفهم شعوان وعمر ابن مشيبه ومحمد بن سليمان، وأبو عجره وابن فارس، حلي مخشوش إبراهيم بن شامي وأحمد صمي وابن الصغير وبن عجي. مادة 9.. العرضية المبنا أميرهم جابر ابن جاري العسبلي، بني بحير أميرهم علي بن سعد ودخيل. بني رزق أميرهم ابن وهاس وابن عمار محمد، ابن منتشر عساف ابن علي ابن جرير وابن درويش، آل سليمان وعماره وبلحارث ردعان بن عبدالله وحسن بن معيض).

وعلى كل حال فإني أكتفي في هذا المقال عن العرضيتين بالإشارة للتسمية وإلى كونها منطقة عسيرية وللمراحل التي مرت بها على مر العصور على مستوى رجالاتها. ولعلي في مقال قادم -إن شاء الله- أسلط الضوء على الآثار التي تمثل حضارة المنطقة منذ القدم وأهم الأحداث التي مرت بها وأبرز الشخصيات التي تعاقبت على الإمارة في ثريبان وبشيء من التوضيح.

الهوامش:

1 - العرضية: وردت الإشارة إليها في خطاب أمير القنفذة النعمي ورده على رسالة محمد بن علي الإدريسي وذلك عام 1339هـ.

2 - ثريبان: هي بلدة تقع شرق العرضية يعود تاريخها للعهد العثماني سكانها من بني رزق من بلقرن.

3 - المبنى: بلدة في العرضية تقع على الطريق العام سكانها من خثعم وشمران واسمها الحالي هو نمره.

المراجع:

1 - كتاب تاريخ المخلاف السليماني، محمد أحمد العقيلي.

2 - كتاب من مذكرات تركي بن محمد بن تركي الماضي عن العلاقات السعودية اليمنية، تركي الماضي.

3 - كتاب الوجيز في تاريخ خثعم وبلقرن وشمران، الرزقي.

4 - كتاب صفحات من تاريخ عسير، غثيثان بن جريس.

5 - كتاب تاريخ عسير .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق