الثلاثاء، 5 مارس 2013

رحلة الى العرضيات و “70” عاما من الغياب!


رحلة “ويلفرد” و “70” عاما من الغياب!

بقلم الكاتب/ محسن بن علي السهيمي

هناك صور بالمتحف البريطاني بلندن اُلتقطت من العرضيات عام (1365هـ) بكاميرا الرحالة ويلفرد، فغدت عملًا نادرًا لم يُسبَق إليه. ولاقت صدىً كبيرًا من مثقفي العرضيات

لم يكن يدور بخلد أحدٍ من مواطنِي (محافظة العُرضيات) بمنطقة مكة المكرمة أن يرى صورًا لأناسٍ ومعالمَ من بيئته يصل عمرها إلى (70) عامًا! وجه الغَرابة يكمن في أن العرضيات ليست على البحر فتكون مرسىً لعابري البحار، ولا هي على قمم الجبال فتغدو مغرية بالاكتشاف، وإنما هي تقع في المنطقة الجبلية التهامية التي تبتدئ من أصدار جبال السروات وتنتهي قرب السهل الساحلي الغربي. وكون موقع العرضيات بهذه الكيفيَّة فهذا بدوره أدى لغيابها عن مقصد كثير من الرحالة والمستشرقين. ومع هذا وبحسب (الجزيزة-12405) فتاريخ العرضيات يمتد إلى (8000) عام قبل الإسلام بدلالة بعض الرسومات والنقوش. وبحسب المصدر نفسه فقد ورد ذكر (وادي قنونا وسوق حباشة) اللذين تحتضنهما العرضيات في عدد من المصادر التاريخية القديمة كالأزرقي والسهيلي وأبوالطيب المكي، وفي بعض المصادر الحديثة عند حمد الجاسر وعاتق البلادي وحسن الفقيه وعبدالله الرزقي. كما أن العرضيات خضعت -قبل الحكم السعودي- للدولة العثمانية ممثلة في قاعدتها ببلدة (المبنى) بالعرضية الشمالية.أما حال العرضيات مع الرحالة غير العرب والمستشرقين فيذكر ابنُ العرضيات المؤرخُ الأستاذُ (عبدالهادي بن مجنِّي) أنه وفي أواخر القرن الثالث عشر الهجري (1289هـ) مر الرحالة التركي (أيوب صبري) بالعرضيات ووصف واديَيْ (قنونا ويبه) وذكر بعض القبائل وعاداتهم، وأضاف ابن مجنِّي أن العرضيات شهدت في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري عام (1334هـ) مرور الرحالة الإنجليزي (كناهان كورنواليس) الذي ألمح لبعض العادات وأنواع الزراعات وذكر أسماء بعض القبائل والأعلام، وذكر ابن مجنِّي كذلك أنه وفي القرن نفسه عام (1365هـ) مر الرحالة الإنجليزي (ويلفرد ثيسيجر) بالعرضية الشامية (الشمالية) والعرضية اليمانية (الجنوبية) التي أصبحت تُعرف بمحافظة العرضيات فكتب عنها، والتقط صورًا متنوعة لبعض مواطنيها ومعالمها. ما يُحمَد لويلفرد أنه وثَّق رحلته تلك بالصور فكانت هي الفارق بينه وبين سابقِيه ولاحقِيه. ولقد مر على تلك الرحلة المصورة (70) عامًا لم يُشِر إليها -حسب علمي- أحدٌ حتى وفق اللهُ المؤرخَ (ابنَ مجني) لتتبع المصادر والوثائق التاريخية التي اعتنت بالعرضيات، فوقف على بعضها في متحف استانبول وبعثها من مرقدها، ثم توصَّل لصور في المتحف البريطاني بلندن اُلتقطت من العرضيات عام (1365هـ) بكاميرا الرحالة ويلفرد، فقامت بنشرها (صحيفة العرضيات الإلكترونية) فغدت عملًا نادرًا وعظيمًا لم يُسبَق إليه. ولقد لاقت تلك الصور صدىً كبيرًا وأحدثت هزة عنيفة في المجتمع، وتفاعلَ معها كثير من مفكري ومثقفي العرضيات؛ كون العرضيات –وقتها- ليست كالحواضر الأخرى في (الشام ومصر والحجاز) التي اتصلت بالعالم، وعرفت الوسائل الحديثة، لذا فلم يكن في حسبانهم أن يروا صورًا لبيئتِهم وأجدادِهم يمتد عمرها لـ(70) عامًا، ولم يخطر ببالهم أن أجنبيًّا أتى من وراء البحار فمر بديارهم في ذلك الزمن الغابر الذي لم تَعرف فيه العرضياتُ الوسائلَ الحديثة، فضلًا عن التعليم النظامي. الصور أوضحت البون الشاسع في المسكن والملبس ووسائل المواصلات وظروف المعيشة بين جيلين، وهذا ما دعا بعض المواطنين للوقوف على الأماكن نفسها التي وقف عليها الرحالة ويلفرد؛ ليلتقطوا لها الصور، ثم يجروا بينها المقارنات. حالة من الدهشة، وشعور ممزوج بالعَبرة تشكلا لدى أهالي العرضيات وهم يُمعِنون النظر ويُطلقون الخيال فيستحضرون ماضي الآباء والأجداد بكل قسوته على أجسادهم، في حين أن أرواحهم يملؤها الرضا وتظللها السعادة، ثم يُفيقون من دهشتهم ليجدوا حولهم خيرات الدنيا وتقنيات العصر، فأضحت صدمة الفارق الحضاري تلك مدعاة للتأمُّل والاعتبار والشكر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق