الأحد، 7 أبريل 2013

مقالنا في صحيفة الجزيرة يوم الأحد السادس والعشرين من جمادى الأول أثار ونقوش محافظة العُرضيّات

صحيفة الجزيرة- آثار ونقوش محافظة العرضيات

تحقيق - عبد الهادي بن مجنّي

كان غاية أملي أن أكتب عن آثار بلاد العرضيات وكان لدي شعاع من الأمل أن أجد شيئاً من تلك الآثار ثم يتبادر لي أحياناً أنني لن أوفق في ذلك حتى حصلت في النهاية ولله الحمد على نتائج ستكون في غاية الأهمية لباحثي الآثار وتبين لي بعد البحث والكتابة أننا بحاجة إلى إجراء مسح أثري للمواقع القديمة في بلاد العرضيات وتبين لي أيضاً أن دراسة حضارة بلاد العرضيات لا يمكن أن تكون بمعزل عن الهيئة العليا للسياحة والآثار وقد قمت منذُ مدة وبرفقة الأستاذ عبدالله الرزقي بجولة لمعاينة بعض من آثار العرضيات ووقفت عليها بشكل شخصي وإنني مدين للأستاذ الرزقي في الوصول إلى تلك النقوش حيث تعد كشفاً جديداً وقد مد لي يد العون لدراستها وتحقيقها ثم نشرها. هدفي من هذا المقال إعطاء فكرة عن الحالة الراهنة لتلك النقوش وإفادة الأثاريين عامة وأرجو أن يساعد جهدي المتواضع في التعرف على آثار وحضارة بلاد العرضيات التي لم نكتشف منها إلا النزر اليسير. وأود أن أضيف هنا أن في تلك الديار مواقع أثرية مهمة للأبحاث الآثارية مستقبلاً أما نقوشها فهي واحدة من مجموعة نقوش متفرقة ومتناثرة في مواقع عديدة بجنوب البلاد السعودية ومن المناسب أيها القراء الكرام أن تجمع النقوش المتفرقة في بلاد العرضيات ويجدها الباحث ضمن كتاب واحد. وسوف أدرج هنا أبعاد تلك النقوش والأماكن التي وجدت فيها وأود أن أستهل حديثي عن المراحل التي مرت بها آثار ونقوش بلاد العرضيات حيث مرت بثلاث مراحل تاريخية كانت المرحلة الأولى هي عهد الصيادين الأوائل وفقاً لنقوش عُثر عليها داخل كهوف تم اكتشافها، بها رسوم غزلان ووعول موغلة في القدم، أما المرحلة الثانية فهي المرحلة الثمودية وأسميناها بالثمودية نظراً للعثور على نقش ثمودي بجبل المكتّب في وادي كروان وتأتي المرحلة الثالثة مرحلة العهد الخثعمي والأزدي الأول حيث جاء الإسلام والأزد وخثعم هم سكان وأهل تلك الديار. رابعاً مرحلة العهد السعودي الثالث حيث كانت محافظة العرضيات قد انضمت إليه في مطلع الأربعينات الهجرية من القرن الرابع عشر الماضي. أما أهم تلك المواقع الأثرية في محافظة العرضيات فهي سوق حباشة الأثري حيث يقع بصدر وادي قنونا في شمال المحافطة وتكمن أهميته في وصول النبي محمد صلى الله عليه وسلم إليه قبل بعثته بتجارة لخديجة بنت خويلد رضي الله عنها ويؤكد كبار السن بالقرية القريبة منه أنهم كانوا وما زالوا يطلقون كلمة السوق على ذلك الموقع وقامت الهيئة العليا للسياحة والآثار بتوثيق سوق حباشة وترميزه بحجارة وكتل خرسانية مكتوب عليها اسم الهيئة، ونناشد الجهات ذات العلاقة بالاهتمام بهذا السوق الذي تشرف بزيارة نبينا صلى الله عليه وسلم وإقامة فعاليات به أسوة بسوق عكاظ. أما الموقع الأثري الآخر فهو (ثميدة) وبه معدن من أهم المعادن في جنوب الجزيرة العربية وثميدة سلسلة جبال تمتد من وادي أبيان شمال محافظة العرضيات حتى جبال ثربان جنوباً. ثالثاً: موقع أثري بمكان يطلق عليه اسم أخليلة وبه نقوش وآثار أبقار وحشية. رابعاً: رسومات قديمة جداً في بلاد آل كثير. خامساً: جبل المكتّب في وادي كروان يوجد به نقوش ثمودية تعود كما أسلفت لقوم ثمود. سادساً: حياد السهبة ويقع شمال شرق مصنع أسمنت تهامة وبه رسوم لغزلان ووعول. سابعاً: موقع قنونا أو استراحة قنونا وبه مياه جارية وهو مكان يلجأ إليه الناس المسافرون قديماً للراحة كما قال أيوب صبري حينما مر به وذكر ذلك في كتابه مرآة جزيرة العرب (1289) ويقع هناك بذلك الوادي شاهد قبر الغريبة بالفائجة مبدوء بالبسملة مكتوب عليه (بسم الله الرحمن الرحيم اللهم نور السموات والأرض نوّر لمريم بنت قيس في قبرها) وهذا القبر أحد النقوش الأثرية التي تعود للعهد العباسي في القرن الثاني الهجري وقد وقفت عليه شخصياً. أ- نقش الشهادتين (لا إله إلا الله محمد رسول الله) بقرن الفرس بشعب بالحارث. ب- نقش ثمودي بجبل المكتّب بكروان. ج- نقوش شاهدية نبطية مكسر سارة بشعب بالحارث. د- نقش كف مكسر سارة. هـ- رسم منقوش على صخرة كبيرة بأعلى شمال شرق حدبة الغبراء. و- ومن بين الآثار الحقيقية التي وجدت أوان فخّارية عثر عليها الأستاذ حسن إبراهيم الفقيه في الحوائر بحداب القِرِشَهْ ببلحارث أثناء بحثه لتحقيق موقع سوق حباشة وهي ذات طابع جاهلي قديم. ثامناً: مقابر الرسوس بثلوث عمارة وقد تم كشفها من قبل الباحث الرزقي (مشرف الآثار بمحافظة العرضيات تطوعاً) وقد قامت الهيئة العليا للسياحة والآثار بتسويرها بسياج وتسجيلها لديها في الهيئة. تاسعاً: موقع أثري تم اكتشافه حديثاً عبارة عن قناة أثرية تسمى عين الكظامة وتقع هذه العين في وادي النظر شرق مدينة ثريبان في تهامة العرضيات، وقد وقف عليها تلبية لرغبتنا أستاذ التاريخ بجامعة الملك خالد في أبها الدكتور غيثان بن جريس عندما مر بالعرضيات أخبرته عنها ووقف على ذلك الأثر يرافقه أستاذ الرزقي. وإنني هنا أشيد بجهود الأستاذ الرزقي المشرف تطوعاً على آثار محافظة العرضيات (وله مني وافر التقدير على جهوده) حيث أخبرني أنه كان متعاوناً مع وكالة الآثار التابعة لوزارة التربية والتعليم. والآثار بالعرضيات اليوم ضُمت لمدير ومشرف الآثار بمحافظة الليث ومحافظة أضم ومحافظة القنفذة ومحافظة العرضيات وعلى الرغم من تخصصه في هذا المجال وجهوده الملموسة والتي يشكر عليها إلا أنه لا يستطيع التوفيق كما قال لي بين آثار أربع محافظات في منطقة شاسعة وأضيف لكل ما سبق وللأمانة في نقل ما رأيت أثناء زيارتي للرزقي ذلك الجندي المجهول الذي لم يأل جهدا في الحفاظ على آثار منطقته والعناية بها حيث كان يقوم بعد انتهاء فترة دوامه الرسمي في مكتب التربية والتعليم حيث يعمل، يذهب ليتفقد الآثار التي تم اكتشافها ويتعاهدها من العبث وقد لمست منه عندما التقيت به الأسف والحسرة على بعض تلك الآثار التي اكتشفت ثم تعرضت للانتهاك وقد قام في أوقات ماضية بكشف العديد منها وذكر بأن تلك الآثار سبق وأن رفع عنها تقارير لوكالة الآثار سابقاً ثم للهيئة العليا للسياحة ولم يتم حتى الآن إرسال فريق تحقيق ودراسة من قبل الهيئة لتحليل ودراسة تلك النقوش المشار لها، وقد انتهكت لعدم وجود سياجات تحميها وهو ينادي بضرورة العناية بتلك الآثار في منطقته وفي نهاية هذا المقال أضم صوتي لصوته وأناشد الهيئة العليا للسياحة والآثار ولحيثيات أن بلاد العرضيات رقيّت قبل أشهر من مركز إلى محافظة أناشدها بسرعة تكليف من ترى فيه الكفاءة من العارفين بآثار محافظة العرضيات سواءً كان المذكور أو غيره تكلفه رسمياً مديراً للآثار في محافظة العرضيات حيث أن بعض المواقع الأثرية هناك تعرضت للانتهاك لعدم تسويرها والبطء في العناية بها. bnmgni@hotmail.com تويتر : @bnmgni  

الأحد، 17 مارس 2013

محافظة العرضيات في عيون الرحّالة

 مقال منشور في صحيفة الجزيرة يوم الأحد الخامس من جمادى الأول سنة 1434

محافظة العرضيات في عيون الرحّالة

بلاد العُرضيات من خلال الصور الفوتوغرافية القديمة

تحقيق - عبدالهادي بن مجنِّي: 

لقد مضى أصحاب تلك الصور وتغيرت معالم الحياة وذهبت الأيام والأعوام تطوى على سجل الدهر وأنا لا أستقر على حالٍ ولا يهدأ لي بال حتى أجد شيئاً عن تاريخ العرضيات هذا الجزء الغالي من بلادنا وكنت ابحث في كتب التراث كثيراً عن بلاد العرضيات المنسية التي كان قدرها أنها بين إقليمين كبيرين (عسير والحجاز) وموقعها بين جبال تهامة والتي تحيط بها كالسوار بالمعصم ولقد مضى وقت طويل على التقاط تلك الصور التي كانت حبيسة ذلك المتحف حتى بعثناها من مرقدها ، ووفقنا الله في الحصول عليها فرأيت من واجبي وبعد مضي سبعين عاماً أن أقوم بنشرها ومن حسن الطالع أننا نطرحها اليوم تزامناً مع ولادة المحافظة الجديدة. وأضيف إلى كل ما تقدم من أمور أن الحياة الاجتماعية لسكان بلاد العرضيات قديماً كانت تشكل لغزاً للباحثين لكونها كما أسلفت منطقة داخلية لم تكن إحدى طرق القوافل القديمة ولم تخدم تاريخياً بما يكفي وما دونه المؤرخون كان جلُه نقلاً عن الروايات الشفوية لمعاصري نهاية تلك الحقبة أما بالنسبة لمشاهدات الرحالة منذُ عقدين أو ثلاثة عقود فلم تفيدنا عن حياة الأجداد في الماضي وهدفنا الذي كنا نسعى إليه لنسبر أغوارها في القرن الماضي والقرون التي قبله وبفضل من الله ومن خلال البحث عن صور فوتوغرافية للجزيرة العربية في القرنين الماضيين تم العثور ولله الحمد على صور فوتوغرافية قديمة بأحد المتاحف في لندن وقد التقطت منذ سبعون عاماً في بلاد العرضيات كان قد أخذها الرحالة الانجليزي ويلفردثيسيجر سنة 1365هـ وهو في طريق رحلته إلى مرتفعات عسير فكان مروره عبر محافظة العرضيات قادماً من شمال تلك البلاد باتجاه جنوب العرضيات بداية من قبيلة بالعريان وبني سهيم والعوامر مروراً بشمران وبلقرن في العرضية الجنوبية حيث كان هو ومرافقوه يواصلون السير على الجمال ليلاً ويتوقفون في النهار فيقوم بتصوير الأهالي في القرى والجبال والأودية والمعالم المشهورة والأسواق الشعبية وقد توقف في إمارة ثريبان والتقط صوراً لأميرها آنذاك وموظفو الإمارة وبعض سكان مدينة ثريبان, وثريبان اليوم المدينة السعودية الحالمة والتي تقع بالقرب من الجبل التاريخي المشهور جبل حضوضى بها كثير من الخدمات التي تؤدي دورها في التكامل الاجتماعي في بلادنا. أما ابرز الصور تلك فكانت لـ(غار القلاده) في شمال محافظة العرضيات وهو من المعالم المعروفة لأهالي المنطقة قديماً وإنني في مقالي هذا أشيد ببعض الأصدقاء الشباب الذين تفاعلوا مع صورة ذلك الموقع وغيره وقاموا بتصويرها وعمل مقارنة بينها قديماً وصورتها اليوم. وفي صبيحة اليوم التالي من زيارة الرحالة لمدينة ثريبان وفي برد الصباح واصل سيره وسط حشد من القرويين إلى سوق الثلاثاء وقد حظي ذلك السوق في قبيلة عماره بالحظ الأوفر من تلك المشاهدات والصور والتي سوف ندرج البعض منها هنا . وقبل كتابة هذه السطور تحدثت إلى سعادة محافظ محافظة العرضيات الأستاذ/ عمران بن حسن الزهراني وكانت البداية عن تاريخ بلاد العرضيات منذُ خمسون عاماً وقبل صدور التقسيم الإداري للشمالية والجنوبية حيث كانت تحمل اسم إمارة العرضية فقط وتحدث سعادته عن تاريخ إمارة ثريبان وما كان لتلك المدينة من أهمية لدى جلالة الملك المؤسس وتحدثنا عن وثيقتين أرسلها رحمه الله في خطابه للأهالي تحدث فيها عن أهمية بلاد العرضية. ومن جانب آخر وعن آمال وتطلعات الأهالي للمحافظة فقد اخبرني سعادة المحافظ بأن المحافظة ستسعى في هذه المرحلة لترقية خدمات المركز إلى خدمات أفضل تواكب المحافظة والرفع للجهات المعنية بإنشاء كليات جامعية بالعُرضيات وفرع للكلية التقنية والبدء في إنشاء الطريق المزدوج وما من شأنه أن يعود بالنفع على الأهالي ، وأضاف أنه سيسعى في توزيع الخدمات بين المراكز بالتساوي . وأخيراً وقبل أن أختم أود أن أضيف أنني قبل سبعة أشهر كانت نيتي أن اجمع سفر عن ما يسمى بلاد العرضيات ولكن مشيئة الله حالت دون ذلك بعد أن ناصفت الطريق. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 http://www.al-jazirah.com/2013/20130317/wo2.htm

 bnmgni@hotmail.com  

الثلاثاء، 5 مارس 2013

رحلة الى العرضيات و “70” عاما من الغياب!


رحلة “ويلفرد” و “70” عاما من الغياب!

بقلم الكاتب/ محسن بن علي السهيمي

هناك صور بالمتحف البريطاني بلندن اُلتقطت من العرضيات عام (1365هـ) بكاميرا الرحالة ويلفرد، فغدت عملًا نادرًا لم يُسبَق إليه. ولاقت صدىً كبيرًا من مثقفي العرضيات

لم يكن يدور بخلد أحدٍ من مواطنِي (محافظة العُرضيات) بمنطقة مكة المكرمة أن يرى صورًا لأناسٍ ومعالمَ من بيئته يصل عمرها إلى (70) عامًا! وجه الغَرابة يكمن في أن العرضيات ليست على البحر فتكون مرسىً لعابري البحار، ولا هي على قمم الجبال فتغدو مغرية بالاكتشاف، وإنما هي تقع في المنطقة الجبلية التهامية التي تبتدئ من أصدار جبال السروات وتنتهي قرب السهل الساحلي الغربي. وكون موقع العرضيات بهذه الكيفيَّة فهذا بدوره أدى لغيابها عن مقصد كثير من الرحالة والمستشرقين. ومع هذا وبحسب (الجزيزة-12405) فتاريخ العرضيات يمتد إلى (8000) عام قبل الإسلام بدلالة بعض الرسومات والنقوش. وبحسب المصدر نفسه فقد ورد ذكر (وادي قنونا وسوق حباشة) اللذين تحتضنهما العرضيات في عدد من المصادر التاريخية القديمة كالأزرقي والسهيلي وأبوالطيب المكي، وفي بعض المصادر الحديثة عند حمد الجاسر وعاتق البلادي وحسن الفقيه وعبدالله الرزقي. كما أن العرضيات خضعت -قبل الحكم السعودي- للدولة العثمانية ممثلة في قاعدتها ببلدة (المبنى) بالعرضية الشمالية.أما حال العرضيات مع الرحالة غير العرب والمستشرقين فيذكر ابنُ العرضيات المؤرخُ الأستاذُ (عبدالهادي بن مجنِّي) أنه وفي أواخر القرن الثالث عشر الهجري (1289هـ) مر الرحالة التركي (أيوب صبري) بالعرضيات ووصف واديَيْ (قنونا ويبه) وذكر بعض القبائل وعاداتهم، وأضاف ابن مجنِّي أن العرضيات شهدت في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري عام (1334هـ) مرور الرحالة الإنجليزي (كناهان كورنواليس) الذي ألمح لبعض العادات وأنواع الزراعات وذكر أسماء بعض القبائل والأعلام، وذكر ابن مجنِّي كذلك أنه وفي القرن نفسه عام (1365هـ) مر الرحالة الإنجليزي (ويلفرد ثيسيجر) بالعرضية الشامية (الشمالية) والعرضية اليمانية (الجنوبية) التي أصبحت تُعرف بمحافظة العرضيات فكتب عنها، والتقط صورًا متنوعة لبعض مواطنيها ومعالمها. ما يُحمَد لويلفرد أنه وثَّق رحلته تلك بالصور فكانت هي الفارق بينه وبين سابقِيه ولاحقِيه. ولقد مر على تلك الرحلة المصورة (70) عامًا لم يُشِر إليها -حسب علمي- أحدٌ حتى وفق اللهُ المؤرخَ (ابنَ مجني) لتتبع المصادر والوثائق التاريخية التي اعتنت بالعرضيات، فوقف على بعضها في متحف استانبول وبعثها من مرقدها، ثم توصَّل لصور في المتحف البريطاني بلندن اُلتقطت من العرضيات عام (1365هـ) بكاميرا الرحالة ويلفرد، فقامت بنشرها (صحيفة العرضيات الإلكترونية) فغدت عملًا نادرًا وعظيمًا لم يُسبَق إليه. ولقد لاقت تلك الصور صدىً كبيرًا وأحدثت هزة عنيفة في المجتمع، وتفاعلَ معها كثير من مفكري ومثقفي العرضيات؛ كون العرضيات –وقتها- ليست كالحواضر الأخرى في (الشام ومصر والحجاز) التي اتصلت بالعالم، وعرفت الوسائل الحديثة، لذا فلم يكن في حسبانهم أن يروا صورًا لبيئتِهم وأجدادِهم يمتد عمرها لـ(70) عامًا، ولم يخطر ببالهم أن أجنبيًّا أتى من وراء البحار فمر بديارهم في ذلك الزمن الغابر الذي لم تَعرف فيه العرضياتُ الوسائلَ الحديثة، فضلًا عن التعليم النظامي. الصور أوضحت البون الشاسع في المسكن والملبس ووسائل المواصلات وظروف المعيشة بين جيلين، وهذا ما دعا بعض المواطنين للوقوف على الأماكن نفسها التي وقف عليها الرحالة ويلفرد؛ ليلتقطوا لها الصور، ثم يجروا بينها المقارنات. حالة من الدهشة، وشعور ممزوج بالعَبرة تشكلا لدى أهالي العرضيات وهم يُمعِنون النظر ويُطلقون الخيال فيستحضرون ماضي الآباء والأجداد بكل قسوته على أجسادهم، في حين أن أرواحهم يملؤها الرضا وتظللها السعادة، ثم يُفيقون من دهشتهم ليجدوا حولهم خيرات الدنيا وتقنيات العصر، فأضحت صدمة الفارق الحضاري تلك مدعاة للتأمُّل والاعتبار والشكر.